على الرغم من المساحة الشاسعة التي تشغلها المحيطات الخمسة المطوقة للكرة الأرضية فهي تمثل ما نسبته ٧٢% من مساحة الأرض فمثلا مساحة المحيط الهادي أكبر مسطح مائي على كوكب الأرض مضاف إليه مساحة المحيط الأطلنطي (بحر الظلمات) يمثلان معا أكثر من نصف مساحة الأرض وعلي الرغم من هذا إلا أن علماء المحيطات صرحوا بأن ٩٥% من محيطات الأرض غير مكتشفة إلى الأن.
إلا أن المحيطات الموجودة والمعلومة للجميع حاليا تحوي الكثير من الغموض و الأسرار التي لا نعلم عنها شئ. فهناك قارة أطلنطس المفقودة والتي لا نعلم عنها شئ.
كما هو الحال بالمدينة الغارقة بالإسكندرية أو مدينة هرقليون الغارقة في مدينة الإسكندرية ، فكل مرة نعتقد أننا قد وصلنا إلي قمة الإنبهار والفخر بعظمة الحضارة المصرية يطل علينا شئ جديد يضيف فصلا جديدا من الإثارة فالمدينة الغارقة وآثارها الفريدة الغارقة معها التى لا تتوافر معلومات دقيقة عن سبب غرقها وما إن كان السبب زلزال مدمر أو فيضان هائل أدى إلى غرقها ولكن ما ندركه و تتوافر معلومات دقيقة عنه هو ما نراه بأعيننا والتي تمثل شاهدا على عظمة الحضارة المصرية وسكان تلك الفترة من البشر.
مدينة هرقليون أو ثونيس تقع على بعد ٦ كيلو متر من شاطئ مدينة الإسكندرية التي أسسها ألكسندر المقدوني لتكون ميناء إلي اليونان وعلى عمق ١٠ أمتار تحت سطح البحر والتي يعود إكتشافها للعالم الفرنسي فرانك جوديو و تحديدا في عام ١٩٩٢ كانت ميناء هام لمصر علي سواحل البحر المتوسط والتي يعود تاريخ المدينة إلي ١٢٠٠ سنة حيث عثر على أكثر من ٦٠ سفينة غارقة وأكثر من ٧٠٠ مرسى إلى أرضيات رخامية وقصر يعتقد بأنه قصر كليوباترا بالإضافة إلي تماثيل عملاقة وربما من بينها تمثال الشهيرة كليوباترا بالإضافة إلي مشغولات ذهبية وعملات وتوابيت.
الأثار الغارقة فى الإسكندرية :
تمتلئ شواطئ الإسكندرية وخاصة منطقة خليج أبي قير ومنطقة الميناء الشرقية بكنوز من الآثار الغارقة التي جاءت نتيجة لتعرض الإسكندرية للعديد من الزلازل التي ألقت بكثير من مباني وقصور وقلاع الإسكندرية في مياه البحر .
أثار مدينة الإسكندرية الغارقة تمثال إيزيس |
ومن أشهر هذه المباني التي أطاحت بها الزلازل منارة الإسكندرية القديمة إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة وترجع الأهمية الفائقة للآثار الغارقة إلى الميناء الهائل الغارق الموجود أسفل صخرة جزيرة فاروس والجنوب الغربي منها ويضاف إلى ذلك أن مستوى البحر قد ارتفع مترين منذ العصر الروماني .
كانت بداية البحث عن الآثار الغارقة في مصر عام ١٩٣٣م وبدأت عمليات التعرف على الآثار الغارقة وانتشالها في منطقة خليج أبي قير .
في عام ١٩٦١ م بدأ التعرف على آثار الإسكندرية الغارقة بمنطقة الحي الملكي عندما إكتشف الأثري الراحل والغواص المعروف كامل أبو السعادات كتلا أثرية غارقة في أعماق البحر بمنطقة الميناء الشرقي أمام كل من لسان السلسلة وقلعة قايتباي .
قام كامل أبو السعادات بإنتشال بضع أواني فخارية وقام بتسليمها للمتحف اليوناني الروماني في عام 1961م ، وبعد ذلك قام بإنتشال قطعة عملة ذهبية تعود للعصر البيزنطي وتم تسليمها للمتحف أيضاً.
في عام ١٩٦٢ م أدلى كامل أبو السعادات عن وجود تماثيل ضخمة وعناصر أثرية أخرى شاهدها تحت الماء فقامت مصلحة الآثار وقتها بمعاونة القوات البحرية وللمرة الأولى بشكل رسمي بإنتشال تمثال من الجرانيت لرجل يرتدي عباءة تغطي معظم بدنه ويبلغ طوله ١٧٠ سم ، وكان ذلك في النصف الأول من نوفمبر عام ١٩٦٢م.
في النصف الثاني من نوفمبر عام ١٩٦٢ م تم إنتشال التمثال الضخم المعروف بتمثال إيزيس ، وهو من الجرانيت الأحمر ويبلغ طوله حوالي 7.5 متر مشطور نصفين وقد تم نقله حاليا إلى حديقة المتحف البحري بالإسكندرية.
في عام ١٩٦٨م طلبت الحكومة المصرية من منظمة اليونسكو معاونتها في عمل خريطة للآثار الغارقة بمنطقة الميناء الشرقي تحت الماء فأرسلت غواصة عالمية تمكنت في عام ١٩٧٥ م من وضع خريطة للآثار الغارقة في حوض الميناء الشرقي أصبحت مرجعاً للعمل في تلك المنطقة .
في عام ١٩٩٢م قامت بعثة معهد بحوث أوروبا للبحار برئاسة فرانك جوديو خبير الكشف عن الآثار الغارقة بالعمل في كل من منطقتي أبي قير والميناء الشرقي . وقد تمكن بفضل خبرته وتقدم أجهزته ورصد وتحليل البيانات التي حصل عليها من الكشف عن الكثير من الأسرار الغامضة لآثار الإسكندرية الغارقة .
في أكتوبر عام ١٩٩٥ م بدأت بعثة المركز الفرنسي القومي للدراسات بالإسكندرية بأعمال المسح لأعماق البحر وتكونت بعثة المركز الفرنسي من ٣٠ غواصاً مصرياً وفرنسياً متخصصين في المسح الطبوغرافي والتصوير تحت الماء والرفع المعماري والترميم ، وذلك في المنطقة الواقعة أمام قلعة قايتباي ،وقد كشف ذلك عن وجود آلاف القطع الأثرية أسفل قلعة قايتباي من أعمدة وتيجان وقواعد وتماثيل وعناصر معمارية مصرية وإغريقية ورومانية .
وأثناء عمليات البحث عن الآثار الغارقة تحت مياه الميناء الشرقي وجود ظاهرة أثرية غريبة تحت الماء وهي عبارة عن صف كتل حجرية هائلة من جرانيت أسوان الأحمر منتشرة في صف واحد شمال القلعة وتبلغ أوزانها من ٥٠ إلى ٧٠ طناً ويشير أسلوب انتشارها إلى سقوطها من مكان عالي أثر أحداث عنيفة .
وقد فسر أحد العلماء الفرنسيين وهو العالم الفرنسي جان إيف إمبرير مدير الأبحاث بالمركز القومي الفرنسي للأبحاث العلمية ومدير مركز دراسات الإسكندرية هذا على أن هذه الكتل من بقايا منارة الإسكندرية القديمة ، ويلاحظ أن آخر بقايا المنارة هو الطابق الأول والذي دمره زلزال القرن الرابع عشر ، وربما كانت تلك القطع بقايا هذا الطابق التي سقطت في الماء إما نتيجة الزلازل أو أعمال تحصين الإسكندرية من جهة البحر ضد الغزوات الأجنبية كغزو ملك قبرص أو حملات الصليبيين على مصر .
وقد عثر تحت الماء أيضاً على أضخم تمثال لملك بطلمي ويعتقد أنه لبطليموس الثاني وهو عبارة عن جزع التمثال ويبلغ طوله حوالي ١.٥ م وعثر على أجزاء منه وقد تم عرضه في معرض مجد الإسكندرية الذي أقيم بباريس عام ١٩٩٨م .
تم العثور أيضا على مجموعة من تماثيل لأبي الهول منقوشة مختلفة الأحجام والأحجار ودرجات الحفظ طبقاً لظروفها الزمنية وكذلك تماثيل لبسماتيك الثاني وسيتي الأول ورمسيس الثاني .
وفي عام ١٩٩٦ م تم إنشاء إدارة للآثار الغارقة بالإسكندرية تابعة للمجلس الأعلى للآثار لأول مرة وتضم مجموعة من الأثريين المصريين برئاسة الأثري إبراهيم درويش رائد الغوص في أعماق البحار .
ويعتبر المكان من أكثر الأماكن بمصر عامة ومدينة الإسكندرية خاصا جذبا للسياح والغطاسين المصريين أو الأجانب فوجود المدينة على عمق قريب يجعل من الأمر سهلا لخوض غمار التجربة و لرؤية رقى وإزدهار مصر فى تلك الفترة وحضارتها الغارقة حتى على الغواصين المبتدئين.